أنور ابو الخير.. يكتب : لكل شيء بداية ونهاية
إن الحياة الدنيا مهما امتدت ومهما طالت ومهما صفت فمصيرها إلى الزوال وإن هي إلا أعوام وتنقضي وربما كانت أياماً أو ساعات وكم هي لبعض الناس بضع لحظات فيصبح المرء بعدها في حفرة وحيداً ليس معه الأولاد ولا الأموال ولا الزوجات ولا خليل يناديه كأن لم يرَ الدنيا ولم تره
هذا إذا كانت الدنيا التي عاشها صافية له ونقية كيف وقد ملئت الدنيا بالمشكلات والمنغصات كم مر بنا من خير ومسرات كم ضحكنا كم بكينا كم صححنا كم سقمنا كم عوفينا
تقلبات مرت بنا كأن لم تكن فكل واحد منا على يقين أنه سيلاقي ربه يوماً ومواجها أمراً خطيرا وخطبا شديداً سماه خالقه “مصيبة”
ويا لها من مصيبة تهدم اللذات وتقطع الراحات وتفرق الجماعات تنزل بالواحد (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)
ويقول سبحانه (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)
ويقول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم “أتاني جبريل فقال يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به”
فهناك من يبدء ويتفنن فى رسم قصته ولكن لكل قصه نهايه وﻻ احد يتوقع كيف ستكون النهايه قد تكون البدايه مثاليه حب وشجون وكلام حب واشعار وتكون النهايه غير متوقعه ﻻسباب تافه لسوء ظن لغيره قاتله لعناد رهيب وهناك قصص ينهيها القدر قبل حتى ان تبدا وهناك قصص تتعبنا عندما نبداها لظروف صعبه لعادات وتقاليد ﻻحكام ومقتضيات فتنتهى تدريجيا مع الوقت وهناك بدايات وقصص نحن من اخطانا حين بدئناها بالاساس لم نستمع لعقولنا وسيرنا خلف قلوبنا مغمضى اﻻعين وحين ابصرنا وجدنا انفسنا وحيدون ﻻ احد بجوارنا لقد تركونا ﻻنهم تدبروا امرهم وذهبوا بعيدا وجدا تختلف العلاقات والبدايات والنهايات ولكن الحقيقه المشتركه ان لكل بدايه نهايه فحتى حياتنا
لكل شيء بداية ونهاية افرح بالبداية ولا تتعلق بالنهاية إنها تخلبك وتسلبك وتأخذك إلى منطقة سوداء وتدخلك في الغرف المغلقة التعلق بالنهاية يفرغك منك ويضمك إلى فريق العدمية وهناك يخلي سبيلك لتصبح أنت الخاوي عند هوامش الفقدان النهاية تعلقك على مشجب النحيب والنعيب وصبيب الأشجان المهلكة النهاية تسبيك وتخفيك وتنهيك وتلغيك وتقصيك وتقسمك إلى نصفين أحدهما غامض والآخر وامض بألسنة النار
النهاية تجعلك مثل ذبابة في فنجان بحثالة سامة تلعقها حتى تموت وجداً في فراغات مأساتك وجفولك وقنوطك وسخطك ويقظة اليأس في ثناياك كن في البداية ولا تهرب من تفاصيلها ولكن لا تكن في النهاية وتغرق في تلافيفها عندما يتبوأ أي أنسان منصباً معتبراً يشعر بأن أجنحته قد تعملقت وأن منقاره قد طال فتغمره السعادة ويمتلك طاقة الضواري في تسلق الأشجار العملاقة ويظل هكذا مترسباً في بداية الفرح يظل هكذا منكباً على فرحة تبدو مثل اللحاف الثقيل الذي يغطي كامل الجسد ولا يبين منه حتى أخمص القدم ولكن هذه البداية لا تدوم كما أن الزمن متحرك مثل عجلة عربة تستدير إلى الأمام وما إن تتوقف العجلة حتى تقع العربة هذا الأنسان شط وحط ومط بوزاً امتد حتى آخر النفق وعند وصوله هناك شعر أن الخيط الذي كان يربطه بالفرح قد مزقه هول وفرقه عويل فبدأ هذا الأنسان مثل متسلق الجبال في الهيمالايا لأول زلة وقعت قدماه وصار في الحضيض
ماذا سيفعل المتسلق المتعلق بالبداية إنه سيتكسر وينحدر ويصبح ما بين النار والثلج يصبح في عظم المأساة عندما يتمسك بالبداية ولا يقبل بالنهاية إنه يذهب في عكس التيار فيتعب إنه يقف في وجه العاصفة فيسغب إنه لا يملك غير ذاكرة البداية التي أصبحت في طي النسيان هذا الأنسان عاشق أناني لايعترف بالزمن ولا يكترث بتداعي مفاصل التاريخ إنه يريد أن يستولي على الزمان والمكان ممايجعله ينكب بكارثة النكوص التاريخية التي تأخذ ولا تعطي والتي تسلب ولا تجلب والتي تنكب ولا تحلب والتي تحيل الحياة في عيني كل متعلق بالبداية مثل قصاصات ورقية أتلفها طفل صغير وظن أنها طائرات تحمل ألعاب الفرح
نحن نتعلق لأننا نشعر بعقدة النقص لو تخلينا عن ما كنا نتعلق به نحن نتعلق لأننا أنانيون إلى درجة العبثية نحن نتعلق لأننا نقع في خداع الديمومة مما يجعلنا دائماً عند نقطة الصفر في المنطقة المتجمدة