انور ابو الخير.. يكتب : ما اسرع خطاك يا رمضان
نستودعك الله الذي لاتضيع ودائعه فرحنا بقدومك وبكينا شوقاً للقائك وبينما نحن في لذة العيش بك وفيك وقد صقلت بك النفوس واطمأنت لك القلوب وانشرحت فيك الصدور وهطلت منك العيون إذ بنا نفجأ بوداعك ورحيلك لو رأينا أن لنا سبيلاً إليك لفعلنا ولكن ذلك تقدير العزيز العليم
يهل هلال شهر رمضان كل سنة ويحمل معه دوما الخيرات والمسرات والبشريات من رحمة ومغفرة وعتق من النار بإذن الله ننتظره كل عام بلهفة وشوق
نشتاق لمقدمه ونستبقله بهمة ونشاط نفرح لمجيئه ونحزن لفراقه وكل من بلغ منزلته وعلو قدره يرجو من الله عز وجل لو أن كل شهور السنة رمضان فهو شهر البطولات والفتوحات والأنتصارات يرفع الهمم ويحشذ الطاقات يعود كل سنة ليسعد بمجيئه قلوب محبيه ويزيل عنهم الوحشة والكدر ويؤنسهم بلياليه التي تأسر الارواح بجمالها فترى النفوس عاكفة على قراءة كتاب الله ومناجاته والتضرع إليه يمحو كل ما شوش على النفوس طيلة أيام السنة فيه تستشعر نفحات إيمانية وترتاح الروح في كنفه وتتخفف من كل ما ارهقها فيه يتضاعف الأجر وتحلو الليالي بالطاعات والقربات من نفحات ونسمات عليلة تغمر الروح فتسمو بهاوتحفزها على فعل الخيرات فيه تشحن الطاقات وتبلغ النفوس أرقى الدرجات فالعاقل من اغتنمه وحرص فيه على الطاعات فما أعجل رحيله فيه الأرواح تشرق بهاء وبهجة وتعلو البسمة محيا الاطفال بعد صوم العصافير تنتظر بلهفة وشوق اشراقة يوم العيد حتى تظهر بملابس العيد في أبهى وأجمل حلة فيه ينساب الجود والكرم وتكثر موائد الرحمان ويفيض العطاء ويتدفق الخير وفيه تزدان صلة الرحم بتبادل الزيارات وتتوطد العلاقات ويلتم الشمل على مائدة الإفطار لمة تنسي الهموم وتخفف الأعباء وتبهج الروح فيه تشتد العزيمة وتقوى الإرادة وتعلو الهمم ويتنافس الكل في الخير فيه يجلو صدأ القلوب فتصفو الارواح وينجلي الكدر فتقبل على الخير وتسارع في أعمال البر والإحسان فتفتح القلوب مغالقها فينساب الخير وتستقبل نفحاته بالحبور فهو محطة تستشعر الأرواح بين أفيائها الطمأنينة والراحة والسكينة وفيه ترتوي الأرواح بعد ظمأ فيزول عطشها وفيه تعود النفوس الأصيلة لصفائها ونقائها وطهرها وتتخلص من كل ما شابها وما أعاقها وكل ما ران عليها وتشكر الله على كرمه وفضله أن بلغها رمضان فكيف تطيق الأنفس رحيله ومفارقة الضيف الكريم أما هو فمن المؤكد أن له عودة حتما ستفتقده الأرواح التي ألفته وسعدت في رحابه الفسيحة و ستتطلع أن تلقاه كل عام لتسعد باستقباله وترجو من الله أن يبلغها إياه من جديد ستنتظر كل سنة بحول الله ومنته حتى تحتفل به لتكرم وفادته وتستقبله باهتمام وبكل بما يليق به وإن مر منه الكثير فما بقي ارقى وأجل وأعظم وهي العشر الأواخر فيها ليلة القدر أعظم ليلة الفوز لمن شهدها وعادت عليه بالخير والرحمة والمغفرة والقبول ورفعته لأرقى الدرجات فما زال الوقت ليلحق المقصر منا بالركب وينهل من معين فضله فلا تفارقنا إلا ورضى الرحمن علينا تحقق ترفق يارمضان فما زالت القلوب قاسية والأرواح عطشى والعيون جدبى فما أسرع خطاك يا رمضان تأتي على شوق وتمضي على عجل
فسبحان من وصفك بأياماً معدودات
فــأحسنوا إلى رمضان فإنه زائر خفيف الظل وكثير الهدايا وسريع الارتحال و تزداد الخسارة عظماً لمن فرط بعد رمضان في طاعة الديان وترك لنفسه العنان وخاض في بحار الشيطان وعصيان الواحد الديان
“ألا ذلك هو الخسران المبين”
فأعزي نفسي وإياكم لفراق هذا الشهر الكريم ولكن عزاؤنا أن “لكل أجل كتاب” والرحمن تبارك وتعالى “كل يوم هو في شأن” يذهب بأيام ويأت بأخرى
“يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل” “يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا” ولكن وصيتي ونصيحتي لنفسي ولبني أدم بالاستمرار بعمل الصالحات والمداومة على طاعة رب البريات وإن قل العمل فلا تقرب الزلل وكن عنه بمنأى وتذكر رقابة الله عليك وأن من كنت تعبده في رمضان هو رب بقية الزمان فلا تتعد حدوده ولا تنتهك حرماته فربك يغار وغيرته أن يأتي المرء ماحرم الله
هذه تعزية وتذكير علها تصادف نفوساً صافية وقلوباً خالية فتتوب وتؤوب إلى علام الغيوب والله يتولانا في الدنيا والآخرة وتقبل الله مني ومنكم صالح الأعمال والأقوال والأحوال وأعاد علينا ضيفنا ونحن في طاعة وصحة واطمئنان
يارب تقبل منا ما مضى ووفقنا للحسن فيما بقى واعتق اللهم رقابنا من النار اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا