مجدي سبلة يكتب ..حكايات محجوب وشملول في تل ابيب !
ذكرنا في المقال السابق أن محجوب عبد الدايم موجود في روايات الأدب الروسي و الأدب العربي .. وقلنا أن محجوب موجود في الثقافة المصرية في صورة الموظف الوصولي الذي يفعل كل شيء ويضع يده في قعدة دورة المياه الملوثة من أجل إرضاء ولي نعمته لتحقيق مجده الشخصي وكأن مجده لا يتحقق إلا في (قعدة الحمام ) !
ولكن (شملول) شخصية ليس لها وجودا لا في الأدب العربي ولا في الأدب الروسي .. ولكنه شخصية من إنتاج عقلية مصرية ساخرة كعقلية الكاتب الساخر أحمد رجب التي أنتجت الفلاح الفصيح وعبده مشتاق وعباس العرسة وعزيز بك الأليط !
أما كلمة شملول منفردة فموجودة في معجم المعاني الجامع وجمعها شماليل ومعناها الشخص الخفيف، سريع الحركة ،وهي موجودة أيضا في الثقافة المصرية ولكن يغلب استخدامها في السياقات الساخرة لوصف الشخص الذي يدعي الخفة والذكاء و”الشطارة” أما كلمة حصاوي أو حساوي فتطلق على سلالة من الحمير قوية البنية شديدة التحمل ويقال أن هذه السلالة جاءت في الأصل من منطقة الإحساء في الجزيرة العربية .
وشملول الموجود في خيالنا اليوم يشترك مع محجوب عبد الدايم في الكثير من السمات مثل الوصولية والتسلق والسعي لتحقيق الهدف بغض النظر عن الوسيلة وهي سمة كل المكيافيليين على كل حال.
إنه شملول الذي اجتمع مع شلبية قبل أيام قليلة لبحث تقديم تعويض سخي للعامل الذي كان يعمل في مكتب من المكاتب الأجنبية وقاما بالاستغناء عنه رغم أنفهما بسبب سرديات المقالات التي صدرت، حيث أرادت شلبية أن تمنح هذا العامل أجر 24 شهرا كتعويض ومكافأة له على جهوده في إرسال الأدوية التي تحافظ على شبابها وتعمل على تبييض بشرة شملول، رغم أن هذا العامل لا يستحق أكثر من سبعة أشهر طبقا للقواعد كتعويض بعد إزاحته من الخدمة، فهل سينجح شملول وشلبية في أخذ توقيع رئيس الليلة على هذا التعويض الأسطوري؟
ربما يكون شملول وشلبية مضطرين لتقديم هذه المكافأة السخية للعامل المذكور لكي يحافظ على السر الذي سيأتي ذكره في (مقال لاحق !!) .
شملول الذي استفاد من حالة التسيب الموجودة منذ سنوات المتمثلة في ظهور جامعات ومؤسسات تعليمية في الخارج تقوم بإصدار الشهادات دون ضابط أو رابط وحصل على درجات علمية تعينه خلال رحلة التسلق التي مارسها في حياته الوظيفية، ولكن هذه الدرجات لم تنجح في تزيين واقع هذا الرجل إلا بالقدر الذي يصنعه طلاء المقبرة لها، فثمة فرق بين العلم والمعرفة، بمعنى أن التحصيل العلمي الذي لا يغير شيئا في لغة صاحبه وتفكيره وتقييمه للأمور هو في النهاية لا شيء، ويكفيك أن تقرأ لشملول منشورا واحدا على الفيسبوك لترى من الركاكة وسوء التراكيب اللغوية ما يكفي لجعل أبو الأسود الدؤلي ينتحر غرقا في نهر دجلة، فالرجل على ما يبدو متأثر بلغة “أكلوني البراغيث” أو “لغة من رفع الملابس “
يحكى أن شملول درس القانون .. ودراسة القانون للشخص غير السوي من الناحية النفسية .. تكون كارثة على المجتمع لأن رجل القانون إذا انحرف يصل إلى الحد الذي يجعل الشيطان يتعلم منه .. فيمارس التزوير والتلفيق بمهارة، تجعل إبليس يصاب بالصدمة، فكما أن هناك أطباء يشاركون بمشارطهم في عمليات سرقة أعضاء الأطفال وهناك مدرسون وأساتذة جامعات يبيعون الامتحانات، فهناك أيضا رجال قانون يقومون بتلفيق القضايا ونصب المكائد المحبوكة لأعدائهم ولأعداء أولياء نعمتهم .
شملول الذي معنا اليوم هو صاحب النظرية الشملولية في اصطناع المستندات عن طريق القص واللحام والتصوير ووضع الأختام، وتتلخص هذه النظرية في قيام شملول بقص ورقتين ووضعهما جنبا إلى جنب بطريقة بها مهارة واضحة وتكون الورقة الأولى مثلا بها الموضوعات أو المطالب أو البيانات التي يريدها وتكون الورقة الثانية بها توقيع رئيس الليلة فيلتحم التوقيع بالورقة ثم يتم تصوير الورقة الوليدة ووضع خاتم المصلحة الموجود في عهدته عليها كصورة طبق الأصل تقدم عند الضرورة لجهات التحقيق !!!
ويمكن عند محطة معينة تضييع الورقة الأصلية ذات اللحام وتوريط أي موظف في تضييعها ويتحول الأمر إلى مجرد إهمال بسيط في تضييع مستند مهما كانت الجريمة التي ارتكبت بالمستند الذي يحمل صفة صورة طبقة الأصل .
شملول الذي اختاره رئيس قطاع المحظيات الذي لا يتقاعد أبدا ليصبح الرجل الأول في الشئون ،وكما ذكرنا خلال سيرة محجوب عبد الدايم فقد فعل شملول كل ما فعله أبو جهل ما عدا وأد البنات .
“عفيفة تزوجت. وهذا زوجها”
شملول ذاق جميع المحرمات من ظلم وفساد وكذب وافتراء ورمى التهم على الأبرياء ولم يترك نقيصة الا وفعلها ما عدا وأد البنات كما أسلفنا..
كانت السيدة العفيفة الموظفة تعمل تحت رئاسته وشاءت إرادة الله ألا تستمر حياتها الزوجية كما يحدث مع الملايين حول العالم، فسولت لشملول نفسه يوما أن يقترب من هذه السيدة العفيفة اسما وصفة معا، فصدته ككل سيدة شريفة وحذرته من معاودة ذلك، ولكن هذا الصنف من الرجال يبقى لفترة طويلة تحت تأثير رغبته الشيطانية التي تقوده إلى مواقف عصيبة وقد يتلقى في سبيل سعيه المريض صفعات وبصقات على وجهه وتضرب ناصيته بالحذاء ولا يرتدع !
وبدون إطالة حاول شملول .. وسولت له نفسه من جديد أن ينال من عفة الموظفة التي ضربته على وجهه بالحذاء وصرخت فارتدع الذئب خوفا من قدوم أحد، ونجت العفيفة من السقوط في براثن الذئب ،ولكنها عقدت العزم أن تلقنه درسا قاسيا فأخبرت والدها بمحاولة التعدي التي تعرضت لها .. وكان هذا الأب رجلا قوي البنية قوي الشكيمة شديد المراس، فاستقل الرجل دراجته البخارية ووصل إلى مقر المصلحة ذات السمعة والصيت واستطاع أن يصل في هدوء إلى مكتب شملول دون أن يبدو عليه أي غضب أو نية اعتداء وأمسك بتلابيب شملول وضغط بقوته الجبارة على رقبته حتى كاد لسانه يخرج من فيه وتركه يسقط خائر القوة أصفر الوجه وقال له لو مددت يدك أو لسانك على ابنتي فسوف أقطعهما ،وغادر الرجل المصلحة بكل هدوء ولم يحرك شملول ساكنا ولم يطلب الأمن للقبض على الرجل، ولم يعلن بطبيعة الحال عن سبب حالة الهرج والمرج التي لاحظها البعض من خارج المكتب .
ورغم ما حدث فلم يعد لعفيفة أي فرصة للبقاء في الادارة التى كانت تعمل فيها ولا للبقاء بالمصلحة كلها خاصة وأن شملول لديه نفوذ كبير بتفويض من رئيس المصلحة يعاونه محجوب عبدالدايم واستطاع بموجب سلطاته الواسعة وبخاصة في فترات الغياب الطويل لهذا الرئيس والتى تمتد لأسابيع أن يفعل في المصلحة مثل الذي تفعله سيدة سيئة الخلق غاب زوجها عن البيت !
وقامت السيدة بعمل ندب إلى مصلحة أخرى وهناك ابتسمت لها الحياة ووجدت زوجا يستحقها، وانتهت هذه الجولة من سيرة شملول الحصاوي نهاية كوميدية صنعها الأب الشجاع الذي استقل دراجته البخارية مرة أخرى وأخذ زوج ابنته خلفه وذهب إلى حي في شرق العاصمة وطرق باب شملول وفتح شملول الباب ليجد أمامه الرجل الذي كاد أن يقتله في مكتبه ومعه رجلا آخر، فانعقد لسانه عن الكلام وقطع الأب صمت شملول المرعوب بالقول :”عفيفة تزوجت وهذا زوجها” وانطلق الرجلان عائدين .
ونظرا لسلطات شملول الواسعة التي منحها له كبير الليلة رغم كونه موظف إداري في مصلحة مليئة بالكوادر المتخصصة ، فيمكنك أن تسمي هذه المرحلة من تاريخ المصلحة بالعهد الشملولي .
ومن أهم مميزات هذا العهد الشملولي القدرة على التصرف في جميع مشكلات وانحرافات إدارة شملول ، فكل عجز أو اختلاس يحدث يتم تعويضه عن طريق عمل مكافآت بأسماء بعض المقربين وأهل الثقه الذين يكتمون السر ثم يتم تجميع هذه المكافآت من أصحابها لتصنع المبلغ المحترم المطلوب وكما يقول المثل الفلاحي “من ذقنه وافتله” مثل مبلغ ال 15000 التي جمعت بهذه الطريقة لإحدى المقربات بإدارة المشتريات وكذلك المبلغ الذي تم تجميعه لموظف الشئون الإدارية لكي يسدد قرضا كان قد عجز عن سداده وعلى اعتبار أنها أموال الحكومة وستذهب للحكومة !!!.
هناك قصص كثيرة في هذا السياق مثل القيام بشراء هواتف غالية الثمن لبعض الأكابر وتسديدها بنفس الطريقة .. وتغيير بطارية لاب توب باهظة الثمن لمسؤول كبير .. والحفاوة والمجاملات ووجبات الكفتة والكباب والسمك والجمبري والوجبات التي يقدمها شملول في الاجتماعات التي يعقدها رفيق كفاحه محجوب عبد الدايم هو والبطريق !
ولكن أغرب قصة حدثت واستخدمت فيها الطريقة الشملولية لحل المشكلات المالية هي قصة الرجل الذي تم ندبه من إدارة المخازن إلى خارج المصلحة وكان لسوء حظ الرجل أنه طلق زوجتيه الاثنتين وكان عليه أن يدفع من راتبه نفقة لكل طليقة منهما ،وحدث أن أخطأ رجال شملول وقام على مدار عام كامل بإرسال المبلغ المخصوم بأكمله لإحدى الطليقتين دون الأخرى وفوجئ الرجل بقيام الطليقة المحرومة بتقديم شكوى ضده وعندما استفسر عن الأمر وجد أن رجال شملول كانوا يقومون بخصم المبلغ الذي يخص الطليقتين معا ويقومون بإرساله لطليقة واحده .
وأصبح شملول في ورطة فأتى بالرجل المطلق وضغط عليه ليقوم باستعادة المبلغ من الطليقة المحظوظة التي كانت المصلحة ترسل لها الحصتين ، فلم يستجب الرجل لضغوط شملول فقام الأخير بطرده من المكتب فقام الرجل بإبلاغ جهات العدل وقامت بالتحقيق وأثبتت صحة كلامه وأثبتت بالتالي أن هناك إهمال في عمل الشئون التي يديرها شملول، ورغم ثبوت الإهمال على شملول ورجاله .. إلا أنه عاد من جديد لمساومة الرجل، فإما أن يسدد المبلغ وإما أن يتم إنهاء ندبه خارج المصلحة ، فثار الرجل وقال له سأذهب إلى جهات العدل من جديد، فارتعد شملول وقال له سوف أتصرف في المبلغ وأعطيك إياه لتذهب لسداده وتقوم بتسليم الإيصال لجهات العدل وينتهي الموضوع .
وكان التصرف بطبيعة الحال بالطريقة الشملولية التي استخدمت مرارا وتكرارا في جمع المبلغ عن طريق عمل مجموعة مكافآت باسم مجموعة من الأتباع الثقه الذين يكتمون السر ثم تجميعها منهم وتسليمها لصاحب الشأن الذي هو طليق المرأتين ليسلمها للسيدة الأخرى التي حرمت من النفقة عاما كاملا !
لم تكن هذه العملية هي الأولى أو الأخيرة التي يستخدمها شملول فهي سلاح من أسلحته في الخروج من المآزق التي تأتي في صور مختلفة، فقد استخدمها شملول أيضا ليحل مشكلة سائقه المعروف باسم “جاز” الذي قام بسرقة إطارات سيارة بي إم دبليو، وهي واقعة شهيرة ويعرفها غالبية أبناء المصلحة ذات الصيت .
وسر لا يعلمه إلا الله بين شملول وبين هذا السائق لم يتخذ شملول موقفا قانونيا ضده وتم حل المشكلة بالطريقة الشملولية المشروحة أعلاه، وتم إعطاء الأموال للسائق ليشتري الإطارات وأعلن شملول أمام من لا يعرفون السر أنه ألزم السائق بشرائها من ماله الخاص، وقام شملول بإبعاد السائق لمدة أسبوعين، ولكنه تلقى رسالة تهديد منه مفادها أنه إذا ذهب هذا الموضوع لإدارة الفصل والبت فسوف أتكلم وأكشف المستور .
ولم يكن أمام شملول سوى الإذعان وإعادة السائق للعمل معه من جديد بل وترقيته ليصبح رئيسا لإدارة التحركات، فيا له من شملول !!!
ولا نبالغ إذا قلنا أن شملول كان ولا يزال الرجل المناسب بدرجة مائة بالمائة للمهمة التي يقوم بها ويوافق عليها الذين حوله. ولا شك أن أنسب الرجال لمهامهم في بيئات العمل الفاسدة هو الرجل الذي لديه نقاط ضعف تخيفه، فشملول لا يملك أن يرفض أي طلب لمحجوب عبد الدايم أو البطريق لأن الأخيرين لديهما رفضين اثنين من الجهات الرقابية لتعيين شملول في أي منصب يلوح بهما على طول الخط كلما زمجر شملول وتلكأ في تنفيذ مطالب محجوب أو البطريق الذي يشارك محجوب في الإمساك برقاب الفاسدين .
وكان ولابد لشملول بدوره أن يستعين ببطانة لها هي الأخرى نقاط ضعف لكي تفعل ما يريد بكل إذعان ومن أهم من اعتمد عليهم في هذه البطانة الأخ الزاهد الذي عمل في مكتب المصلحة في بلاد ما وراء البحار وقام بصرف عشرة آلاف ملطوش بالعملة الصعبة من صندوق المكتب دون وجه حق وتستر عليه شملول سنوات طويلة وحتى هذه اللحظة وهو نفس الشخص الذي قام بصرف فاتورة السوبر ماركت التي تحتوي على الفلفل الأبيض والبهارات على حساب المكتب ولم يلتفت شملول أو غيره إلى ذلك .
كما قام شملول بضرب الإدارة الوحيدة التي كان يكره اسمها في المصلحة وهي إدارة التفتيش من أجل التخلص من مديرها الرافض للفساد والانحراف وتعيين سيدة من المقربات له منحها عدد من المكافآت لا يوجد مثله في أي مصلحة في البلاد ،وليت الجهات الرقابية تعرف وتراقب كم المكافآت التي تمنح للبعض في الهيئة ذات الصيت خاصة للمقربين من محجوب عبدالدايم !
“شملول في بلاد العم سام” على الرغم من أن كل حكايات شملول تلوكها الألسنة في المصلحة ذات السمعة والصيت إلا أن حكاية واحدة لم يتفق كل من يعرفونها على تفسير محدد لما حدث فيها، فشملول الذي أوفدته المصلحة للعمل بمكتبها في دولة الكيان الغاصب في تل ابيب لم يكمل عاما واحدا هناك حتى طلب المسئول الأول في السفارة إنهاء مهمته وإعادته إلى البلاد بسبب الاعيبه وليتم إيفاده لاحقا ليكمل مدته بدولة عربية، فهناك من قال أن قرار إنهاء خدمته في الدولة سيئة الذكر كان بسبب مخالفات ارتكبها وهناك من سمع شملول وهو يقول أنه أصيب بمرض تجلى في ظهور بثور بيضاء على جلده عجزت الطبيبة عن علاجها وكان ولابد أن يعود للبلاد لأجل العلاج، وتبقى جميع التأويلات مفتوحة أمام هذه القصة .
“شملول في مركب الإخوان”
بيد أن أسوأ صفحة في سيرة شملول فهي صفحة السياسة والانتماء الحزبي التي كشفت سمة جديدة في شخصيته وهي سرعة القفز من المركب التي يعتقد أنها على وشك الغرق والقفز في غيرها ومعاودة القفز من جديد إلى المركب الأولى التي تركها وهكذا دواليك .
شملول المتطلع الذي يقطن بحي شمال العاصمة قام بعد الخامس والعشرين من يناير 2011 بالركض نحو جماعة الإخوان واستطالت لحيته قليلا وانضم إلى صفوف رجال الحرية والعدالة وكان يهمس لبعض أصدقائه مفتخرا أنه كان من الخلايا النائمة للجماعة في المصلحة ذات الصيت .
وبعد فوز الرئيس الإخواني في الانتخابات قام شملول بتعليق لافتة كبيرة يبارك ويؤيد فيها في الحي الذى يسكنه وقام باتخاذها كخلفية له على حسابه على الفيسبوك وكان قلب شملول يزغرد عندما وصل البلتاجي إلى مقر المصلحة وقرر تحويل تبعيتها إلى المؤسسة الاكبر .
ولكن بعد الثلاثين من يونيو وربما قبل هذا التاريخ بأيام قليلة استعد شملول للقفز من جديد من مركب الجماعة التي رآها تهتز بعنف وتوشك على الغرق، وبعد البيان التاريخي قام بمحو كل ما يدل على ارتباطه بالجماعة ..فياله من شملول !!