مجدي سبلة.. يكتب / محجوب عبد الدايم في هيئاتنا ذات السمعة والصيت
سمعنا الحكمة القديمة التي تقول أن ثلاثة أشياء انقرضت من هذا العالم وهي الغول والعنقاء والخل الوفي، ولكن من يتأمل حال تلك الهيئة التى كانت ملئ السمع والبصر يرى أن أشياء كثيرة قد اختفت فوق هذه الثلاثية، فقد اختفى الحياء واختفت المروءة واختفى تكافؤ الفرص واختفت عشرات الفضائل بفضل محجوب عبد الدايم والشملول !
شخصية محجوب عبد الدايم وردت في الأدب مرتين، مرة في الأدب الروسي وتحديدا في رواية الأنفس الميتة ل” نيقولاي جوجول” التي نشرت عام ١٨٤٢ وكان اسمه “تشيتشيكوف”.ثم جاء في رواية “القاهرة الجديدة” لنجيب محفوظ التي نشرت عام ١٩٤٥والتي تحولت إلى فيلم سينمائي وكان اسمه كما ورد في العنوان “محجوب عبد الدايم”.
وكان محجوب أو تشيتشيكوف شخصا يكره المبادئ ويحتقر الأخلاق ويكره المجتمع ويقدس المتعة ويسعى إليها وكان محجوب يرى أن أصدق معادلة في الدنيا هي : الدين+ العلم+ الفلسفة +الأخلاق= طظ.
وكان تشيتشيكوف يشترك مع محجوب في نفس الهدف وهو الوصول للقمة من أقصر الطرق.
وبعيدا عن التفاصيل الكثيرة المتعلقة بتلك الشخصية كما رسمها المؤلف في كلتا الروايتين ،فقد تحولت شخصية محجوب في الثقافة المصرية إلى رمز للموظف الوصولي الآفاق عديم الشرف الذي يسعى لهدفه مهما كان حجم تفريطه في الأخلاق والمبادئ من أجل الوصول اليه.
وبمرور الوقت أصبح الموظفون في كل مصلحة يقومون بسهولة بالتعرف على محجوب أو أكثر في المصلحة وفي بعض المصالح قد تجد ثلاثة محاجيب أو أربعة، إن صح أن نجمع محجوب بهذه الصيغة. ويستطيع محجوب بلسانه المعسول الذي يشبه لسان عباس العرسة في شخصيات أحمد رجب، يستطيع أن يحظى بمكانة جيدة لدى رئيس المصلحة،
ولكن أسوأ وقت يمر على أي محجوب في حياته الوظيفية هو عندما يكون هناك احتمال كبير لتغيير القيادة في المصلحة، فيهجر النوم عيني كل محجوب انتظارا لما يمكن أن تسفر عنه الأيام لأنه لا يضمن ما يمكن أن يحدث له في قادم الأيام في ظل عزلته وكراهية زملائه الموظفين له.
محجوب عبد الدايم الذي معنا اليوم بدأ حياته العملية في سنترال في جنوب العاصمه وكان وقتئذ حاصل على دبلوم تجارة وهو من أسرة فقيرة الحال تحتاج إلى معاونة الابن لأبيه في تحمل أعباء المعيشة وشاءت الظروف أن يلتقي بالسيدة مواعظ التي استطاع بلسانه الذي يشبه لسان عباس العرسة أن يقنعها بالتوسط له ليعمل بالمصلحة ذات السمعة والصيت ،وكانت مواعظ تعمل بوظيفة إدارية بسيطة في ذلك الوقت ولكنها كانت ذات تأثير وذات مكانة لدى قيادات المصلحة فاستطاعت بسهولة أن تجد له فرصة عمل في تلك المصلحة وكان ذلك عن طريق عما عقد له بأحد الصناديق الخاصة برعاية العاملين بالمصلحة.
عمل محجوب بهذا الصندوق لفترة من الزمن ولكنه اكتشف أن هذا المكان لن يلبي له طموحه، خاصة أنه يحب الرئاسة فلم يطل به المقام بهذا العمل خاصة بعد أن قام بخلق مشكلات مع من حوله فلجأ مرة أخرى السيدة مواعظ التي تستطيع أن تفعل كل شيء لتقوم بمساعدته في الحصول على وظيفة إدارية بالمبنى الإداري لقيادة للهيئة أو المصلحة ومن هنا تولدت الاحلام عند محجوب في أن يشغل منصبا هاما ولكن كيف يتحقق ذلك وهو يحمل مؤهلا متوسطا في ذلك الوقت.
وبمرور الوقت اكتسب محجوب ثقة مدير عام إدارة بالهيئة وكانت سيدة محترمة تحب مساعدة الجميع فساعدته في إكمال تعليمه بأحد المعاهد للحصول على مؤهل ووفرت له وقت لحضور المحاضرات والامتحانات وحصل على المؤهل ليبدأ بعد ذلك رحلة التسلل إلى مناصب الكبار
واستطاع محجوب عن طريق مداهنة الرؤساء أن يصل الى المكتب الفني لرئيس المصلحه واستطاع ان يقدم خدماته المتميزة التي لا يقوم بها سوى محجوب عبد الدايم أو محجوب مثله لأحد رؤساء المصلحة الذي كان صاحب شخصية قوية وأصبح محجوب خلال تلك الفترة صاحب مكانة واعتبار كبيرين في المصلحة وأصبح هو الذي يحدد من الذي يمكنه الدخول لرئيسها ومن الذي يرجع بخفي حنين.
وشاءت الأقدار أن تتغير المواقع بعد ذلك بوقت قصير، وأتى رئيس جديد للمصلحة ، وبطبيعة الحال حاول محجوب بكافة السبل أن يحوز الثقة الكاملة لدى الرئيس الجديد ولكنه وجد صعوبة في ذلك، فليس كل الرجال واحد وليس كل رجل سيكون له حاجة في الخدمات المتميزة التي يختص بها محجوب.
ولكن القدر انحاز من جديد لمحجوب عندما دخل رئيس المصلحة الجديد حمامه الخاص بمكتبه لقضاء حاجته وكان هاتفه النقال في يده فسقط الهاتف في قعدة الحمام وكانت الهواتف النقالة في ذلك الوقت باهظة الثمن وكان الرجل يحتاج إلى قفاز يرتديه في يده ليستطيع استخراج الهاتف من مكانه وبطبيعة الحال لم يقم الرجل بأي فعل آخر خشية أن تجرف المياه الهاتف وتذهب إلى غير رجعة ،ونادى الرجل على محجوب فأتى مسرعا وجاءت الفرصة الذهبية لكي يكسب ثقة الرئيس الجديد فقام بوضع يده في الحمام وأخرج الهاتف ثم قام بتنظيفه بنفسة واكتسب محجوب وضعا جديدا لدى الرجل.
وجاء الوقت الذي قال فيه رئيس المصلحة لمحجوب ماذا تريد أن أحققه وكانت فرصة لا تعوض لكي يقفز محجوب إلى الفضاء قفزة أسطورية ويحقق كل أحلامه دفعة واحدة.
لم يتردد محجوب في الرد وقال له أريد السفر والعمل في مكتبنا في الخارج .
اختار محجوب دولة مترامية القارات وما أدراك ماهى التي يصل مرتب الشخص الواحد في مكتبنا هناك إلى ما يوازي مرتبات قطاع بأكمله في الداخل. وصعد محجوب درجات كثيرة على سلم المجد وكانت موقعة الحمام بالنسبة له كليلة القدر.
قضى محجوب ثلاثة أعوام في اليابان أخرجته من الفقر بقية حياته وبدأ محجوب يخطط ليمسك بيده سماء المصلحة ولكن كان الرجل الذي نقله هذه النقلة الأسطورية قد غادر المصلحة بعد أن انتهت مدة رئاسته وجاء رئيس جديد للمصلحة، ولم يكن الرئيس الجديد من نوعية الرجال الذين يحبون المداهنة والنفاق ولم يكن من الرجال الذين لهم حاجة في خدمات محجوب عبد الدايم، ففهم شخصية محجوب وقام بوضعه في حجمه الطبيعي ولكن دوام الحال من المحال فطبيعة الحياة هي تغير المواقع وترك الكراسي.
ومع قدوم الرئيس الأخير للمصلحة جاءت الفرصة من جديد لمحجوب لاستئناف أحلامه التي تعطلت لفترة ليست طويلة فاحتضنه بشكل لم يسبق له مثيل وبلغت منزلته لديه وثقته فيه مبلغا كبيرا ،واستفاد رئيس المصلحة الجديد من كل الخدمات التي يتفوق محجوب بالدايم في القيام بها ،ولا نبالغ إذا قلنا أن محجوب أصبح عينه التي يبصر بها ويده التي يبطش بها وكان يستفيد حتى من إيماءته السلبية والإيجابية عندما يزوره البعض أو يطلبوا منه بعض المطالب.
وكان من الطبيعي أن يصاب محجوب بحالة من الغرور ويتباهى بأن كل شيء يمر أو يتعطل عن المرور بإيماءة منه، وبدأ يعلن أنه نائب رئيس المصلحة. وبنى محجوب ومعه الشملول سوارا عاليا بين رئيس المصلحة وبين مرؤوسيه، وقام الشملول بكل ما قام به أبو جهل ما عدا وأد البنات.
ولم يتمكن من المرور من هذا السور سوى اثنان أولهما رجل المهام الخارجيه الذي لا يتقاعد أبدا والذي هدم هذه المهمة وقضى على حاضره ومستقبله، وثانيهما البرجوازية التي كانت تخرج من المصعد في شموخ عجيب ويبتسم لها محجوب وهي تمضي مرفوعة الرأس إلى مكتب رئيس الليلة.
وعجز كل أصحاب الكفاءات والمجتهدين والمظاليم عن الالتقاء برئيس المصلحة بعد أن قام شملول ومحجوب بشيطنة الجميع في عيني الرجل وعينوا ألف مخبر على كل مجتهد ليس له سوى علمه وخبرته واجتهاده، فأصيبت المصلحة بحالة إحباط لم تحدث في تاريخها وأصبح كل الأكفاء في عزلة وتوقف عن الإبداع في مصلحة أصبحت في قبضة محجوب وشملول ومن يعيشون في فلكهما، وتبوأت البرجوازية أعلى المناصب رغم أنها فقيرة العلم والفكر!
واستغل الشملول وضعه في التنكيل بكل أعدائه ومنهم كبار وكانت من أخطر نتائج هذا التنكيل أن وصلت الهيئة إلى ما وصلت إليه الآن بعد أن خرجت كل أحشائها من بطنها بتصرفات الشملول الخرقاء ومخالفاته الصارخة التي لم يتنبه لها رئيس المصلحة إلا بعد فوات الأوان واضطر لحماية شملول فيما ارتكبه من مخالفات لا حصر لها.
أما محجوب فقام برد الجميل للسيدة مواعظ صاحبة الفضل الكبير عليه التي عينته في المصلحة في البداية فقام محجوب باستخدام قوته المفرطة في منع مساءلة ابنتها الجميلة أمام القضاء في تهمة خطيرة ثبتت عليها تماما وأعطى الأوامر للشملول للتصرف في هذا الموقف ومرت الابنة الجميلة بفضل والدتها مواعظ صاحبة الفضل على محجوب.
وأصبح الكثيرون ينظرون لمحجوب عبد الدايم على أنه صاحب الحل والربط في المصلحة فنافقوه وتقربوا إليه ليل نهار. ولم يكن من الصعب على محجوب في ظل العلاقة التي جمعت بينه وبين رئيس المصلحة الجديد أن يغير ما لا يتغير وأن يعين في وظائف تخالف الدرجة التخصصية التي عين عليها في الأصل فأصبح مؤهلا لغير تخصصه رغم أنه معين على وظيفة إدارية وتحدى كل شيء حتى قانون الخدمة المدنية وأصبح مديرا لإدارة مهمه جدا ، بل ومديرا للتدريب بها وسط حالة إحباط وحسرة أصابت الجميع.
وارتدى محجوب ثوب رئيس المصلحة وأصبح الكل يخاف من بطشة وأصبح الطفل المدلل لدى رئيس الليلة، ولعب الشيطان برأس محجوب وقرر أن يعتلى قمة قطاع مهم جدا بالمصلحة في الوقت الذي كان فيه رئيس القطاع يقترب من سن التقاعد ، وكان الجميع يتوقع أن يتم مد الخدمة له خاصة في ظل قيام المصلحة بالمد لأشخاص كثيرين منهم من لا ضرورة له على الاطلاق ولا سبب لبقائه في الخدمة سوى علاقته الوثيقة بمحجوب وشملول، ومن بينهم سيدة عجوز كانت موظفه إدارية لا أكثر وهي بديعة الحيزبون.
وعلى غير ما توقعه الغالبية العظمى من أبناء المصلحة لم يتم المد لرئيس القطاع لكي يقفز محجوب قفزته المهولة ويجلس على قمة القطاع بقرار تسيير أعمال من كبير الليلة.
وفي هذا الوقت كان رئيس المصلحة قد انشغل تماما عن المصلحة ولم يعد يأتي إليه إلا زيارات متباعدة، وفعل محجوب وشملول كل شيء في غياب الرجل الكبير وقام محجوب بتقريب جميع من لهم تاريخ سيء في المصلحة دون غيرهم ربما لإمكانية السيطرة عليهم بسهولة بسبب نقاط ضعفهم الناتجة عن ماضيهم غير النظيف وأولهم قنصوة صاحب الموقعة الشهيرة التي ضبط فيها وسأله سائل قائلا: ما بال النسوة اللاتي قطعن بعضهن وما بال التسجيلات الصوتية التي كشفت المستور ؟وما بال الأموال التي حصلت عليها من حصيلة إيجار القاعات التي وضعتها في جيبك؟.
وليس غريبا بعد أن ساعده محجوب في الخروج من هذه الجريمة أن يصبح قنصوة من أهم أدواته، ولم يكن من الغريب أيضا أن يتحول قنصوة بين عشية وضحاها إلى واعظ وكاتب يدافع عن مكارم الأخلاق التي يتميز بها محجوب.
ثم بغى وطغا محجوب المنتشي بمنصبه الجديد وأرهب العاملين ونقل البعض منهم ظلما وسحب من بعض المديرين وظائفهم وأعطى مكافآت لم تحدث في تاريخ القطاع لكل مريديه!ويهيم الان في مدينة الاسكندر الاكبر مدينة العز والهنا ويقول يارض اتهدى ماعليكى أدى ..